responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 31  صفحه : 133
عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ ذَكَرُوا لِذِكْرِ هَذَا الشَّرْطِ فَوَائِدَ إِحْدَاهَا: أَنَّ مَنْ بَاشَرَ فِعْلًا لِغَرَضٍ فَلَا شَكَّ أَنَّ الصُّورَةَ الَّتِي عُلِمَ فِيهَا إِفْضَاءُ تِلْكَ الْوَسِيلَةِ إِلَى ذَلِكَ الْغَرَضِ، كَانَ إِلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ أَوْجَبَ مِنَ الصُّورَةِ الَّتِي عُلِمَ فِيهَا عَدَمُ ذَلِكَ الْإِفْضَاءِ، فَلِذَلِكَ قَالَ: إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى وَثَانِيهَا: أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ أَشْرَفَ الْحَالَتَيْنِ، وَنَبَّهَ عَلَى الْأُخْرَى كَقَوْلِهِ:
سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ [النحل: 81] وَالتَّقْدِيرُ: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى أَوْ لَمْ تَنْفَعْ وَثَالِثُهَا: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْبَعْثُ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِالذِّكْرَى، كَمَا يَقُولُ الْمَرْءُ لِغَيْرِهِ إِذَا بَيَّنَ لَهُ الْحَقَّ: قَدْ أَوْضَحْتُ لَكَ إِنْ كُنْتَ تَعْقِلُ فَيَكُونُ مُرَادُهُ الْبَعْثَ عَلَى الْقَبُولِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ وَرَابِعُهَا: أَنَّ هَذَا يَجْرِي مَجْرَى تَنْبِيهِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَا تَنْفَعُهُمُ الذِّكْرَى كَمَا يُقَالُ لِلرَّجُلِ: ادْعُ فُلَانًا إِنْ أَجَابَكَ، وَالْمَعْنَى وَمَا أَرَاهُ يُجِيبُكَ وَخَامِسُهَا: أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ دَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ كَثِيرًا، وَكُلَّمَا كَانَتْ دَعْوَتُهُ أَكْثَرَ كَانَ عُتُوُّهُمْ أكثر، وكان عليه السلام يحترق [1] حَسْرَةً عَلَى ذَلِكَ فَقِيلَ لَهُ: وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ [ق: 45] إِذِ التَّذْكِيرُ الْعَامُّ وَاجِبٌ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ فَأَمَّا التَّكْرِيرُ فَلَعَلَّهُ إِنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ رَجَاءِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ فَلِهَذَا الْمَعْنَى قَيَّدَهُ بِهَذَا الشَّرْطِ.
السُّؤَالُ الثَّانِي: التَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ إِنَّمَا يَحْسُنُ فِي حَقِّ مَنْ يَكُونُ جَاهِلًا بِالْعَوَاقِبِ، أَمَّا عَلَّامُ الْغُيُوبِ فَكَيْفَ يَلِيقُ بِهِ ذَلِكَ؟ الْجَوَابُ: رُوِيَ فِي الْكُتُبِ أَنَّهُ تَعَالَى كَانَ يَقُولُ لِمُوسَى: فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى [طه: 44] وَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّهُ لَا يَتَذَكَّرُ وَلَا يَخْشَى. فَأَمْرُ الدَّعْوَةِ وَالْبَعْثَةِ شَيْءٌ وعلمه تعالى بالمغيبات وعواقب الأمور غير وَلَا يُمْكِنُ بِنَاءُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ.
السُّؤَالُ الثَّالِثُ: التَّذْكِيرُ الْمَأْمُورُ بِهِ هَلْ مَضْبُوطٌ مِثْلُ أن يذكرهم عشرات مرات، أَوْ غَيْرُ مَضْبُوطٍ، وَحِينَئِذٍ كَيْفَ يَكُونُ الْخُرُوجُ عَنْ عُهْدَةِ التَّكْلِيفِ؟ وَالْجَوَابُ: أَنَّ الضَّابِطَ فِيهِ هو العرف والله أعلم. أما قوله تعالى:

[سورة الأعلى (87) : آية 10]
سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى (10)
فَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّ النَّاسَ فِي أَمْرِ الْمَعَادِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِصِحَّتِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَ وُجُودَهُ وَلَكِنَّهُ غَيْرُ قَاطِعٍ فِيهِ لا بالنفي ولا بالإثبات، وَمِنْهُمْ مَنْ أَصَرَّ عَلَى إِنْكَارِهِ وَقَطَعَ بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ فَالْقِسْمَانِ الْأَوَّلَانِ تَكُونُ الْخَشْيَةُ حَاصِلَةً لَهُمَا، وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ فَلَا خَشْيَةَ لَهُ وَلَا خَوْفَ إِذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ ظَهَرَ أَنَّ الْآيَةَ تَحْتَمِلُ تَفْسِيرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُقَالَ: الَّذِي يَخْشَى هُوَ الَّذِي يَكُونُ عَارِفًا بِاللَّهِ وَعَارِفًا بِكَمَالِ قُدْرَتِهِ وَعِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي كَوْنَهُ قَاطِعًا بِصِحَّةِ الْمَعَادِ/ وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ [فَاطِرٍ: 28] فَكَأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى بَيَّنَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الَّذِي تَنْفَعُهُ الذِّكْرَى مَنْ هُوَ، وَلَمَّا كَانَ الِانْتِفَاعُ بِالذِّكْرَى مَبْنِيًّا عَلَى حُصُولِ الْخَشْيَةِ فِي الْقَلْبِ، وَصِفَاتُ الْقُلُوبِ مِمَّا لَا اطِّلَاعَ لِأَحَدٍ عَلَيْهَا إِلَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَجَبَ عَلَى الرَّسُولِ تَعْمِيمُ الدَّعْوَةِ تَحْصِيلًا لِلْمَقْصُودِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ تَذْكِيرُ مَنْ يَنْتَفِعُ بِالتَّذْكِيرِ، وَلَا سَبِيلَ إِلَيْهِ إِلَّا بِتَعْمِيمِ التَّذْكِيرِ. الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْخَشْيَةَ حَاصِلَةٌ لِلْعَامِلِينَ وَلِلْمُتَوَقِّفِينَ غَيْرِ الْمُعَانِدِينَ وَأَكْثَرُ الْخَلْقِ مُتَوَقِّفُونَ غَيْرُ مُعَانِدِينَ وَالْمُعَانِدُ فِيهِمْ قَلِيلٌ، فَإِذَا ضُمَّ إِلَى الْمُتَوَقِّفِينَ الَّذِينَ لَهُمُ الْغَلَبَةُ الْعَارِفُونَ كَانَتِ الْغَلَبَةُ الْعَظِيمَةُ لِغَيْرِ الْمُعَانِدِينَ، ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْمُعَانِدِينَ، إِنَّمَا يُعَانِدُونَ بِاللِّسَانِ، فَأَمَّا الْمُعَانِدُ فِي قلبه بينه وبين نفسه

[1] في الأصل (يحترق) والمناسب يتحرق لاشتياق وهو من تحريف النساخ (الصاوي) .
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 31  صفحه : 133
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست